يوأنس الحادي عشر البابا التاسع والثمانين
بعد نياحة البابا غبريال الخامس كان يسوس إدارة الكنيسة راهب من دير طره يدعى ميخائيل، وكان يؤيده الكثيرون لنوال البطريركية، لكن إرادة الله سمحت أن يختار القس الأسعد أبو الفرج بطريركًا. كان كاهنًا لكنيسة أبي سيفين بدرب البحر بفسطاط مصر، وكان مشهورًا بالفضيلة والعلم ويقوم بالتدريس في مدرسة قبطية عظيمة بالمكس. وتمت رسامته كالعادة بالإسكندرية في مايو 1427م بعد أربعة أشهر من نياحة سلفه، وكان معاصرًا الأشرف برسباي المملوكي.
أزمات اقتصادية صعبة:
وبالرغم من هدوء الأحوال السياسية إلا أن مصر واجهت في عهده أزمات اقتصادية صعبة نتجت عن انخفاض مياه النيل وحدوث زلزال مدمر وتفشي وباء الطاعون.
زيارة البطريرك الأنطاكي مصر:
من الأحداث الهامة في حبريّة هذا البابا أن زار مصر البطريرك الأنطاكي سنة 1430م، وصلى الاثنان قداسًا حبريًا كأعضاء كثيرون في جسد المسيح الواحد. واستجاب البابا القبطي لمطالب أخيه الأنطاكي وبدأ صلوات تكريس الميرون المقدس لتحصل إنطاكية على احتياجاتها منه.
إغلاق بعض الكنائس:
من ناحية الدولة أصدر أحد شيوخ المسلمين فتوى بضرورة الكشف على الكنائس وهدم ما أُضيف إليها وجُدِد فيها، وبالفعل أُغلِقت بعضها لحين التحقيق ومن نعمة الله أن أعيد فتحها. ثم دَعَى السلطان المملوكي إلى مجلس من شيوخ المسلمين والبطريرك القبطي ورؤساء الطوائف اليهودية في مصر، وألزموهم إلزامًا شرعيًا بعدم تجديد كنيسة أو دير أو صومعة أو معبد. حاول ملك أثيوبيا مطالبة السلطان المملوكي بمعاملة القبط في مصر كما يتعامل المسلمون في بقاعهم، ودلل على ضيق القبط وقتلهم وصعوبة أدائهم الشعائر الدينية، مما ضايق السلطان المملوكي ظنًا أن القبط شكوا له سوء أحوالهم. والعجيب أن السلطان المملوكي لم ينفِ ما قيل بل اتهم القبط بالتشهير، وقبض على البابا وأمر بضربه ضربًا مبرحًا. ولما تأخر الوفد المملوكي لدى ملك أثيوبيا الذي سجنهم، قبض السلطان على البابا وألزمه بالكتابة لملك أثيوبيا يطالبه بسرعة إعادة الوفد وإلا قضى السلطان المملوكي على القبط، فماطل الملك الأثيوبي ثم أعاد الوفد، فقبض السلطان على البابا ثالثة وأمر بضربه وسجنه والزمه إلا يرسم مطرانًا أو أسقفا أو كاهنًا لأثيوبيا إلا بعد الرجوع إليه، وحذره إن لم ينفذ الأمر سيضرب عنقه، وشهد شيوخ المسلمين للمذاهب الأربعة على الحكم. كان موقف السلطان مشجعًا للرعاع للتشبث بمعاداة القبط، وحدثت أحداث مؤسفة كثيرة راح ضحيتها كثيرون. ولم يقف السلطان المملوكي عند هذا الحد بل أصدر أمرًا ألا يُعالِج الأطباء القبط واليهود المسلمين، وإن رفض عقلاء المسلمون تنفيذ ذلك لثقتهم في أمانة ومهارة القبط، كما أمر القبط ألا يستخدموا جاريات مسلمات.